الحرب في اليمن تنتج جيشا من الجائعين فيما زراعة القات تهدد صنعاء بالموت وتستهلك مياهها
لندن – «القدس العربي» :
بعد أشهر من النكسات التي رافقت الحملة التي تقودها السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين الذين يلقون دعما من إيران استطاعت الرياض تحقيق تقدم في جنوب البلاد عندما سيطر المقاتلون الموالون للرئيس المنفي عبد به منصور هادي على مدينة عدن. وتخطط السعودية لتوسيع العمليات البرية ضد المتمردين الحوثيين وأتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وترى صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها أن التحول في زخم الحرب راجع لوصول مئات من المقاتلين اليمنيين الذين تلقوا تدريبهم في السعودية. وهناك إمكانية لأن تعمل القوة العسكرية الجديدة على حرف ميزان الحرب لصالح التحالف الذي يرغب بإعادة الرئيس هادي للبلاد بعد أن أجبره المتمردون على الفرار من العاصمة صنعاء ومن ثم عدن حيث يقيم اليوم في العاصمة السعودية الرياض.
ووسعت القوات المدعومة من السعودية هذا الأسبوع مدى الهجمات إلى شمال ميناء عدن في محاولة لتوسيع المكاسب التي تحققت ضد الحوثيين. وقال سكان المدينة إن المقاتلين يحضرون للسيطرة على قاعدة العند الجوية التي قالت تقارير إنها أصبحت بأيديهم.
تفاوض
ويرى كاتب التقرير هيو نيلور أنه في حالة وسع المقاتلون من مناطق سيطرتهم خارج مدينة عدن فقد يجبرون الحوثيين على المفاوضات وإن لم يحدث هذا فقد يقومون برسم منطقة لهم في جنوب اليمن يمكن للقوات البرية السعودية التحضير منها لعملية عسكرية واسعة. ولكن الإنجازات الأخيرة لا تعني نهاية الحرب لأن الحوثيين سيقاتلون تقدم القوات الجديدة، كما أن القبائل اليمنية والميليشيات التي تقاتل إلى جانب القوات المدربة سعوديا لا تشترك في أهداف الحملة السعودية على اليمن. ويخشى أن يؤدي التصعيد إلى زيادة مصاعب البلد الفقير الذي وصل سكانه إلى حافة المجاعة، كما يقول مسؤولون تابعون للأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة الدولية.
وكانت السعودية قد اقترحت هدنة لمدة خمسة أيام حتى يتسنى نقل المواد الغذائية والمساعدات للسكان العالقين وسط الحرب، لكن الطرفين واصلا عملياتهما من دون توقف.
متطرفون
ويشير التقرير إلى أن الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة تحاول الاستفادة من الوضع الفوضوي الذي يعيشه اليمن اليوم. وقال سكان محليون في عدن إن المتطرفين يشاركون في الهجمات التي يقودها التحالف السعودي في محاولة من هؤلاء لكسب دعم السكان. إلا أن الجنرال أحمد العسيري المتحدث باسم التحالف الذي تقوده بلاده نفى تقارير من هذه. وأكد أن الهجوم في عدن يعتبر «تطورا إيجابيا» وبداية فقط. ونقلت الصحيفة عن العسيري قوله إن عدن ستكون منطلقا لهجمات أخرى تهدف لطرد الحوثيين وإعادة حكومة هادي الشرعية.
إيران
وترى السعودية في اليمن التي يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة الحديقة الخلفية لها، ولهذا لا تتعامل بإيجابية مع الحوثيين الذين ترى فيهم وكلاء لعدوتها اللدود إيران. ويرى محللون أن خطة استخدام القوات اليمنية البرية أصبح أكثر إلحاحا بعد توقيع إيران اتفاقا مع القوى الكبرى بشأن ملفها النووي.
ويخشى المسؤولون السعوديون من أن يؤدي رفع الحصار عن طهران والإفراج عن مليارات الدولارات من زيادة الدعم لحلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة بمن فيهم الحوثيون. ونقلت الصحيفة عن كريستوفر دافيدسون، الخبير في شؤون الخليج بجامعة درم البريطانية قوله إن «السعوديين يشعرون بالحاجة لأن يكون لهم موطئ قدم في اليمن قبل أن تلتزم إيران أكثر في الحرب».
معسكرات تدريب
ويجري الحديث عن برنامج تدريب لليمنيين حتى يقوموا بمواجهة الحوثيين إلا أن التفاصيل حوله ظلت غامضة. وجرى الحديث خلال الأشهر الماضية عن عمليات إنزال للمقاتلين الذين أنهوا تدريبهم في السعودية. وجاء تدريب اليمنيين نظرا لتجنب دول التحالف إرسال قواتها البرية إلى اليمن خشية التورط في مستنقع الحرب وتعرضها لخسائر كبيرة نظرا للطبيعة المتحركة للحرب. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي سعودي سابق تأكيده تلقي ألاف من اليمنيين التدريب في معسكرين على الأقل جنوب السعودية، فيما أكد العسيري وجود برامج تدريب لكنه امتنع عن تقديم التفاصيل.
وبحسب الباحث مصطفى العاني يأمل السعوديون في تدريب ما يقرب من 10.000 يمني من أبناء العشائر وعناصر الجيش السابقين واليمنيين المقيمين في السعودية. وشاركت المجموعة الأولى من المقاتلين في الهجوم على عدن التي اختيرت كبداية بسبب المعارضة القوية للحوثيين فيها. ففي منتصف تموز/يوليو الحالي تم إنزال مئات من المقاتلين الجدد عبر السفن الحربية لدول التحالف وأحضروا معهم عربات مصفحة وأسلحة وانضموا للقوات المقاتلة على الأرض.
وقدر وضاح الدبيش المقاتلين ضد الحوثيين بحوالي 600 واصفا إياهم بالمنظمين والمسلحين جيدا. وقال الدبيش أن هناك مستشارين عسكريين سعوديين ومن الإمارات، ومن دول التحالف لمساعدة هذه القوى. ويرى كاتب التقرير أن استراتيجية التحالف الهادفة للتخلص من الحوثيين تركت آثارا جانبية من ناحية استفادة المتشددين الذين سيطروا على مناطق في حضرموت من الوضع. وزعم عاملون في منظمات غير حكومية وجود مقاتلين من التنظيمات المتشددة في معركة عدن. وهناك مظهر آخر غير مساعد نابع من مشاركة عدد من المقاتلين الداعين لانفصال الجنوب عن الشمال المعروفين بالحراك الجنوبي.
وهذه القوة لا تؤيد هادي بحسب كاثرين زيمرمان من «أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت» التي قالت إن «هذه القوى ليست موالية لا لهادي أو للسعوديين». ويعتقد الصحافي جمال خاشقجي أن السعوديين يشعرون بإمكانية تحقيق انتصارات ضد الحوثيين، خاصة أن قوتهم العسكرية ليست عصية، لكنه حذر من أن التصعيد لن يكون في صالح اليمنيين.
كارثة
ويرى محللون أن التصعيد الذي يخطط له قد يؤدي لإطالة أمد الحرب وزيادة المعاناة الإنسانية. فقد قتلت الحرب منذ شهر آذار (مارس) أكثر من 3.500 شخص وشردت 1.3 مليون نسمة. وقالت منظمة أوكسفام البريطانية أن الحملة السعودية أضافت 25000 شخصا جددا باتوا يفتقدون الغذاء والاحتياجات الإساسية، وهذا يعني أن نصف عدد سكان اليمن البالغ عددهم 13 مليون يواجهون نقصا حادا في الغذاء. وبحسب المؤسسة الخيرية فقد أدى القتال إلى مأساة إنسانية تهدد أن تنتج أكبر عدد من الجائعين في التاريخ. وقال فيليب كليرك مدير مكتب أوكسفام في اليمن: «ما دام الطرفان المتحاربان مستمرين في تجاهل دعوات وقف إطلاق النار فإن العائلة العادية تفكر في وجبتها القادمة إن هي نجت من القنابل حيث أنهم الطعام لديهم بدأ ينفد»، وأضاف أن القتال كلف 3700 قتيل لحد الآن بحسب أرقام الأمم المتحدة و1700 منهم من المدنيين. ويتحول الوضع بسرعة بالنسبة للناجين إلى وضع لا يحتمل حيث هناك شح في الغذاء والماء والدواء والسكن.
ونقلت صحيفة «إندبندنت» عن أم أسامة وهي أرملة تعيل 6 أطفال في تعز، وهي مدينة على بعد 70 ميلا من عدن، في غرب البلاد: «كنا ننتظر رمضان طيلة العام، فهو أحسن الأشهر حيث يقوم إخوتي والتجار الآخرون بتقديم غذاء لنا يكفينا لستة أشهر. ولكن هذا العام الكل تأثر بالصراع لا فرق بين غني وفقير.. والآن ليس عندنا مأوى فبيتنا دمره الطيران وليس لدينا غذاء كاف ولا حتى لليلة واحدة. وقتل ابني الكبير أسامة الذي كان يرعى الأسرة كلها». ويقول سعيد سعد الأنيسي وهو مهندس كهربائي من بلدة الخميس في محافظة عمران إن الحرب اضطرته وعائلته للعيش بدون مأوى: «لم ننزح رغبة بالنزوح ولكن اضطررنا إلى ذلك.. نحن منهكون .. نحن بلا مأوى». وحتى قبل الحرب الأهلية كان اليمن من أفقر بلدان الشرق الأوسط، ونسبة سوء التغذية ثاني أعلى نسبة عالميا. وفي منطقة صعدة في شمال اليمن تحذر أوكسفام أن 80% من السكان – حوالي 670000 شخص – يعانون من الجوع ومنهم 50% في مستوى حرج. وبالإضافة لخطر الجوع والحرب فاليمن مهدد بأن يفقد كل مصادره الجوفية وجفاف المياه. وهناك تقارير تتحدث عن تحول صنعاء إلى عاصمة عطشى في غضون عقد من الزمان.
لاجئون بسبب الماء
ويشير آدم هيفز في تقرير نشره موقع «فورين أفيرز» يقول فيه إن سوء الحكم وإدارة البيئة تتحمل مسؤولية وفاة مدينة صنعاء المتوقعة من العطش، ولكن الجاني الذي يتحمل المسؤولية الكبرى هو إدمان اليمنيين على القات. ويقول الكاتب إنه في حالة استمرار معدلات استخدام المادة المخدرة فسيصبح 4.2 مليون نسمة لاجئين يبحثون عن الماء وسيجبرون على ترك بيوتهم الخالية من المياه بحثا عن المطر. وتحضيرا لهذا السيناريو يفكر المسؤولون بتحويل مكان العاصمة ونقله إلى الساحل، فيما اقترح آخرون البدء بمشاريع تحلية وحفظ المياه لشراء الوقت حماية للعاصمة من الاندثار. ويعتبر نقص المياه مسؤولا عن الكثير من النزاعات المحلية في اليمن، فبحسب تقرير لصحيفة «الثورة» اليمنية فـ70% إلى 80% من النزاعات الدائرة في الريف اليمني تدور كلها حول المياه. وتقول وزارة الداخلية اليمنية أن النزاعات التي تندلع حول المياه والأراضي تتسبب سنويا بمقتل 4.000 شخص وهو أضعاف أضعاف ما تسببه هجمات القاعدة على البلاد.
ويرى التقرير أن زراعة القات المادة المخدرة التي يمضغها اليمنيون تستهلك نسبة 40% من المياه المتوفرة في الآبار الجوفية حول مدينة صنعاء وفي كل عام. وهذه النسبة ترتفع كل عام لأن زراعته تزيد بنسبة 12% كل عام. ويستهلك القات كميات من المياه أكثر من القهوة التي تنبت بشكل جيد في التراب اليمني. وتقول أرقام وزارة الزراعة والمصادر المائية اليمنية أن القات لا يجفف المياه المتوفرة في حوض صنعاء فقط ولكنه يؤثر على عشرات الألوف من الهكتارات التي تزرع فيها الفواكه والخضروات والقهوة وهو ما أثر على أسعار الطعام. وبحسب أرقام البنك الدولي فقد أدى ارتفاع اسعار الطعام إلى زيادة نسبة الفقر بمعدل 6% في عام 2008 وحده.
زراعة مربحة
ويرى الكاتب أن إقبال المزارعين على زراعة نبتة القات نابع من استخدامها المنتظم في البلاد ولأن أرباحها مضمونة مقارنة مع نباتات أخرى. فكل متر مكعب يزرع فيه القات يحقق أرباحا ستة أضعاف المحصول الزراعي المربح أيضا، وهو زراعة نبتة العنب. ولهذا السبب يقول البنك الدولي أن نسبة 90% من الرجال البالغين في اليمن يمضغون القات من ثلاث إلى أربع مرات في اليمن. ولهذا السبب تمدح النساء مزايا القات «يعيش القات». وأصبح نوع القات معيارا لأهمية الرجل، خاصة ذلك الذي يقدم في حفلات الزفاف. ويشير إلى ان استخدام القات لم يكن منتشرا بشكل كبير قبل عقد السبعينات من القرن الماضي نظرا لعدم وجود شبكة جيدة للطرق لنقله، خاصة أن نبتة القات لا تعيش إلا ليوم أو يومين. ويرى الكاتب أن اليمن لا يمكنه الاستمرار في استخدام المياه بهذه الطريقة، خاصة أن سياسات حفظ مياه المطر التي يبلغ معدلها السنوي 68 مليارا مكعبا غير جيدة وتضيع هدرا بسب عدم وجود السدود المناسبة. ويشير إلى ممارسات سلبية للمزارعين الذي يفضلون استخدام كميات كبيرة من المياه بدلا من اعتماد أسلوب الري بالتنقيط الذي يعتبر فاعلا وقليل الكلفة. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالسدود القديمة التي تتسرب منها المياه وتضيع في الأرض. وهناك مشكلة تتعلق بحفر الآبار الارتوازية التي تتم بدون سياسة واضحة، حيث تحتفظ الدولة بحق حفر الآبار. ونظرا لأن أي صاحب مزرعة يحفر بئره بنفسه بدون رقابة فهناك مخاطر أخرى نابعة من كون الآبار العامة تعتبر كابوسا صحيا نظرا لتلوثها بمياه الصرف الصحي.
نقل العاصمة
صحيح أن المسؤولين يتحدثون عن نقل العاصمة، لكن كلفة نقلها تحتاج إلى 40 مليار دولار والحصول على هذا المبلغ مستحيل. فالدولة تعتمد في ميزانيتها على عائدات النفط المتراجع انتاجه وتشكل نسبة 75% من الميزانية. ويتوقع البنك الدولي توقف حصول اليمن على عائدات النفط بحلول 2017. وحتى لو أمكن نقل عاصمة سكانها مليونا نسمة، فخطوة كهذه ستؤدي لنزاعات داخلية خاصة أن التقاليد القبلية تلعب دورا في عملية بيع الأراضي أو ما يطلق عليه بـ «الجورة» أي الجيران. ومن الأفكار التي ناقشتها وزارة الزراعة ومصادر المياه هي نقل المياه إلى صنعاء من مناطق أخرى، لكن تطبيق الفكرة يواجه مشكلة نظرا لاستخدام المياه هذه في مناطقها ونقلها سيؤدي لمشاكل ونزاعات. ويرى الكاتب أن السياسات المقترحة أو محل التفكير لا تحل أزمة نقص المياه وعليه يجب التركيز على ثلاثة أمور وهي ردع السكان والمزارعين عن زراعة القات واستخدامه وتعزيز مصادر المياه الموجودة وصناعة المياه من خلال عمليات التحلية. وهذا يعني قيام الحكومة بتشجيع المزارعين للتحول نحو محاصيل لا تستهلك الكثير من المياه مثل فاكهة الصبار.
ويجب على الحكومة القيام بحملة ضد استخدام مادة القات والتحذير من مخاطره حيث يسبب الإفراط باستخدامه أمراض القرحة وارتفاع ضغط الدم ومشاكل في الكبد والعقم. ومشاكل اجتماعية حيث تنفق العائلة 30% من دخلها على شراء القات مع ان نسبة 45% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. ويقترح الكاتب استخدام شخصية مثيرة كتلك التي استخدمتها في حملتها عام 2007 من أجل اقناع السكان على تقنين استخدام المياه وهي شخصية «ريان». ويذكر الكاتب في النهاية باليمن الذي كان في العصور القديمة نموذجا للزراعة والري والممارسات الفاعلة للزراعة. فما بين 750 – 700 قبل الميلاد اعتمدت مملكتا سبأ وحمير على تجميع الماء في سد مأرب. ولو تحسنت طرق جمع المياه وبنى اليمن نظاما جيدا لتحلية المياه فقد يعود اليمن إلى نموذج عالمي لحفظ المياه، كما كان قبل آلاف السنين وقد يكون قادرا على حماية عاصمته.
qal
التحالف السعودي ضد الحوثيين يخطط لعمليات برية تنطلق من عدن ومئات المقاتلين في الطريق
الحرب في اليمن تنتج جيشا من الجائعين فيما زراعة القات تهدد صنعاء بالموت وتستهلك مياهها
إبراهيم درويش
