واشنطن - منير الماوري:
قبل بزوغ فجر أمس، كانت هناك ساعات حاسمة؛ مخاض عسير لولادة فجر جديد من العلاقات الإيرانية الغربية؛ كما كانت محطة النهاية لمفاوضات طويلة وشاقة مع خصم يجيد دبلوماسية النفس الطويل وحياكة السجاد وحافة الهاوية وتأجيل التنازلات إلى الساعة الحاسمة.
بحسب ما أجمعت مختلف المصادر في واشنطن، فإن إيران قدمت تنازلات جوهرية في اللحظات الأخيرة من المفاوضات، كانت كفيلة بتشجيع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على تقديم تنازلات مقابلة، أسفرت عن التوصل لاتفاق تاريخي، من المتوقع أن يغير طبيعة التحالفات في المنطقة ويشرعن النفوذ الإيراني في منطقة حساسة للغاية.
وأكدت مصادر أميركية مطلعة، فضلت عدم نشر اسمها، لـ"العربي الجديد" أن نقطة التنازل الحاسمة، من الجانب الإيراني، تمثلت في قبول طهران تفتيش منشآت عسكرية إيرانية غير نووية تحددها القوى الغربية، وكانت إيران في السابق متمسكة بمنع التفتيش عنها متذرعةً بالسيادة.
أما التنازل الذي قدمته القوى الغربية في المقابل، فيتعلق بإعطاء إيران حق الاعتراض الأولي على تفتيش منشآت معينة والموافقة على تشكيل لجنة وساطة دبلوماسية دائمة لحل أي خلافات من هذا القبيل، قد تنشأ مع إيران أثناء التفتيش، بحسب المصادر نفسها.
وأضافت المصادر الخاصة أن استمرار المفاوضات حتى ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء، كان بسبب الحاجة إلى رسم تفاصيل عمل اللجنة المختصة بالوساطة.
وفي الإطار نفسه، نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين غربيين أن "إيران قبلت بخطة تقضي بعودة سريعة للعقوبات خلال 65 يوماً إذا لم تلتزم باتفاقها مع القوى العالمية الست للحد من برنامجها النووي". وذكروا أن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران يستمر بموجب الاتفاق النووي خمس سنوات، بينما يستمر الحظر على الصواريخ ثماني سنوات.
وفي الإجمال، فإن النتائج التي تمخضت عنها الساعات الأخيرة الحاسمة تضمنت استجابة متأخرة لمطالب السنوات الأولى للمفاوضات، التي تتلخص في ضرورة فتح المرافق الإيرانية للتفتيش الدولي كجزء من إيفاء إيران بمتطلبات عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوقيعها على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
البدايات
تعود المفاوضات الغربية مع إيران إلى ما قبل تشكيل مجموعة (5+1) (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا) في عام 2006، تحديداً إلى عام 2003 أيام كانت اللجنة ثلاثية (الصين وروسيا والولايات المتحدة). هناك من يعيد نقطة البداية إلى 14 أغسطس/آب عام 2002، عندما كشفت أجهزة استخبارات غربية عن وجود منشآت لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض في ناتنز وأراك بإيران، الأمر الذي دفع الوكالة الدولية إلى مطالبة إيران بفتح هذه المرافق أمام خبرائها وتزويد المنظمة بالمعلومات الكاملة عن المشروع الإيراني.
وهناك مَنْ يعتبر أن البداية كانت في عام 2003، عندما بدأت إيران تستجيب جزئياً لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عهد الرئيس، محمد خاتمي.
وتشير التسريبات إلى أن المفاوضات السرية مع الأميركيين بدأت في عهد خاتمي عن طريق وساطة سويسرية، لكن إدارة جورج بوش لم تستجب لعرض إيراني يتضمن التزام الشفافية في المشروع النووي والتخلي عن دعم حركة "حماس" و"حزب الله" مقابل ضمانات أميركية بعدم العمل على تغيير النظام في إيران. وتزامن العرض الإيراني مع نجاح الولايات المتحدة في تغيير نظام الرئيس، صدام حسين، في بغداد.
أما البداية العلنية للمفاوضات الرسمية الغربية مع إيران، فقد بدأت مع ترويكا أوروبية من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وافقت إيران خلالها على التعاون مع الوكالة الدولية وتعليق أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة في أثناء المفاوضات، مقابل الاعتراف بحق إيران في الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية.
وفي عام 2004، أعلنت إيران بشكل طوعي عن وقف مؤقت لبرنامج تخصيب اليورانيوم استجابة لمطالب الترويكا الأوروبية. وكان الرئيس الحالي، حسن روحاني، يشارك في المفاوضات عن الجانب الإيراني، ولم تكن الولايات المتحدة قد انخرطت فيها مباشرة في تلك الفترة.
وعادت المفاوضات لاحقاً لتشهد تراجعاً، وعاد التشدد الإيراني مع رحيل محمد خاتمي ومجيء محمود أحمدي نجاد، بحيث رفضت إيران في 2005 التخلي عن وقف التخصيب الدائم لليورانيوم. في المقابل، أوقفت ألمانيا تصدير أية معدات نووية لإيران.
وجراء تشدد حكومة أحمدي نجاد، شهد عام 2006 إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي بدعم أميركي وبريطاني وألماني. ووافقت روسيا والصين على الإحالة شريطة تأجيل اتخاذ أية اجراءات إضافية. وفي الوقت نفسه، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، أنها لن تقبل أي تخصيب على الإطلاق في إيران.
وعقب إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، تشكلت مجموعة (5+1) لتفاوض إيران حول برنامجها النووي.
التشدد الأميركي تجاه إيران في عهد الرئيس السابق، جورج بوش، قوبل بتشدد إيراني مماثل، بحيث أعلن أحمدي نجاد إصراره على استمرار برنامج التخصيب، الأمر الذي أسفر بعد ذلك عن صدور سبعة قرارات من مجلس الأمن خاصة بإيران.
قرارات مجلس الأمن
في منتصف عام 2006 صدر القرار 1996، طالب فيه مجلس الأمن إيران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وفي أواخر العام نفسه صدر القرار1737، الذي قضى بفرض عقوبات على إيران بعدما رفضت تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، ونص القرار على تجميد أصول عدد من الأشخاص والمنظمات المرتبطة بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية. وقد أنشأت لجنة لمراقبة تنفيذ العقوبات. وفي عام 2007 صدر القرار رقم 1747 الذي وسع لائحة عقوبات الكيانات الإيرانية، ورحب باقتراح الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا من أجل حلّ المسائل المتعلقة ببرنامج إيران النووي.
وفي 2008 أصدر المجلس قراره رقم 1803، وسّع فيه العقوبات لتشمل أشخاصاً وكيانات إضافية، وفرض قيوداً على سفر الأشخاص، وقائمة الصادرات من السلع ذات الاستخدام المزدوج النووي والمتعلق بالصواريخ إلى إيران.
كما أصدر المجلس قبل نهاية العام نفسه القرار رقم 1835، أكّد فيه على القرارات السابقة. وجاء خالياً من الاستناد إلى الفصل السابع على عكس القرارات السابقة.
وفي 2010، صدر القرار 1929، الذي شدد الحظر على الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية، وأجاز تفتيش ومصادرة الشحنات التي تنتهك هذه القيود، وتمديد تجميد الأصول للحرس الثوري الإيراني، وجاء قرار آخر برقم 1984 في عام 2011 تكررت فيه مضامين القرار السابق.
لقاء الوسَطيْن
في ديسمبر/كانون الأول 2008، دعا الرئيس المنتخب، باراك أوباما، في مقابلة صحافية، إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية مباشرة مع إيران دون شروط مسبقة. ثم صدرت لاحقاً وثيقة من مكتب وزارة الخارجية الأميركية للاستخبارات والبحوث في أغسطس/آب 2009، أوضحت أن إيران تحتاج إلى أعوام لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، وليس لدى الاستخبارات الأميركية أي دليل على أن إيران قد أنتجت اليورانيوم عالي التخصيب.
وعقب فوز روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية، أعلن أنه ينوي أن يتواصل بشكل إيجابي مع العالم، ويجري مفاوضات "نشطة أكثر" بشأن البرنامج النووي لبلاده، بعدما قوبلت النزعة التصادمية لأحمدي نجاد بإخضاع البلاد لعقوبات دولية، وتعريضها لتهديدات عسكرية من إسرائيل والولايات المتحدة. ومنذ فوز روحاني برئاسة إيران، تزايدت جهود التقارب مع الأميركيين والأوروبيين إلى أن توصلت إيران والقوى العالمية الست إلى اتفاق نووي يوم أمس، بعد حوالى عقد ونصف العقد من المفاوضات، لرفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة على إيران مقابل موافقتها على فرض قيود طويلة المدى على برنامجها النووي.
المصدر: العربي الجديد